الفقر
مشكلة اجتماعية واقتصادية خطيرة، وجدت مع وجود الإنسان على الأرض واتخذت أبعاداً متعددة
في الظهور والفهم لها كمشكلة تؤثر على حياة الإنسان كما أنها اختلفت في درجات معاناة
الفقراء بين فترة زمنية وأخرى ومن مجتمع إلى مجتمع، وكذلك في تقدير مستويات الفقر الذي
يقع فيه الأفراد والأسر، وهذا جعل العلماء والباحثين في العلوم الإنسانية يقدمون تعريفات
متعددة للفقر تنطلق من الاتجاهات الفكرية التي
ينتمي إليها العلماء والباحثون وواقع الحياة المعيشية والاجتماعية التي يتواجدون فيها،
وتعريفات الفقر هي أشبة بتوصيف العميان للفيل، حيث يضع الواحد منهم يده على الفيل يقول
هكذا الفيل. وهذا أيضاً ما اتصفت به تعريفات الفقر التي وضعت وفقاً لرؤية وواقع واضعيها.
وهو ما جعل الإجماع على تعريف واحد في جميع دراسات الفقر غير ممكن، وهذا الاختلاف أعطى
تعريفات الفقر صفة النسبية، باعتبار أن حالات الفقر تختلف باختلاف الموطن حتى في إطار
المجتمع الواحد وبين الريف والحضر.
ونتيجة
لذلك فإن الإجماع حول مفهوم الفقر يقف عند حدود الحرمان من الضروريات لجزء من البشر،
أما من حيث توصيف مكونات مفهوم الفقر كمعيار فإنها تختلف في أجزائها . ولذا فإن مفهوم
الفقر أصبح غير مرتبط بالحرمان المادي فقط، وإنما يعبر عن مشكلة مركبة تتداخل فيها
معايير قياسية ومؤشرات مادية ومعنوية، مثل انخفاض الدخل ، انتشار الأمية، وسوء التغذية و تفشي البطالة، وانتشار الأمراض، وعدم
الحصول على السكن الملائم، وغياب المشاركة الاجتماعية والسياسية وغياب العدالة ...الخ.فالفقر
هو أكثر من مجرد حالة مادية اقتصادية بل هو
صورة لواقع اجتماعي اقتصادي وثقافي متخلف (أي أن الفقر لا يعبر فقط عن العجز في إشباع
الحاجات البيولوجية) وإنما هو حالة من الحرمان
المادي والمعنوي الذي يتعرض له جزء من الناس،
ويحدث بسبب عوامل فردية ومجتمعية واقتصادية وسياسية وثقافية وطبيعية. فتكون عوامل لإضعاف
قدرات البناء الاجتماعي في الحفاظ على الاستقرار والتضامن الاجتماعي بين الأفراد والأسر،
فيحدث الخلل في البناء الاجتماعي والتأثير الضار على الاندماج والعلاقات الاجتماعية
بين الأفراد والأسر في مصعد البناء الاجتماعي.
الاستنتاجات:
لقد
توصلت الدراسة من خلال تحليل معطياتها وبياناتها الميدانية إلى مجموعة من النتائج يمكن
تلخيصها في الآتي:
أوضحت الدراسة أن أغلب أرباب الأسر في مجتمعي
الدراسة هم من الذكور, وهذا يظهر أن دور المرأة في مجتمعي الدراسة كربة بيت فقط ، ومهامها
تنظيم شئون المنزل ، بينما مسؤولية الإنفاق هي من مهام الرجل ، بغض النظر عما إذا كان
يقوم الرجل بالفعل بمهام الإنفاق أولا ، ويعود ذلك إلى التقاليد الاجتماعية السائدة
في المجتمع اليمني (أكان ذلك على مستوى الريف أو الحضر), التي ترى أن تحمل المرأة المسئولية
كرب للأسرة يعتبر انتقاص في حق الرجل ، ولهذا فهو غير مسموح لها حتى في حالة وفاة الزوج
أو غيابه، حيث تنتقل مسئولية رب الأسرة إلى الرجل سواء كان الابن أو الأخ, وهذا يعد
انتقاصاً في حق المرأة اليمنية وتهميشا لدورها في عمليات الإنفاق ، حيث أن جزءاً كبيراً
من النساء العاملات في الأسر واللاتي فقدن عائلهن من الرجال هن اللاتي يقمن بعمليات
الإنفاق, وتنظيم شئون الأسرة, وخاصة في الحضر, ولكن دون الاعتراف بدورهن كربات للأسر
، ويظهر ذلك من نتائج الدراسة الميدانية، حيث أن ما نسبته( 87% )من أرباب الأسر هم
من الذكور, بينما نسبة الإناث العائلات للأسر نحو (13%). وهي نسبة ضعيفة جدا ً مقارنة
مع نسبة المرأة العاملة في المجتمعات الحضرية.
كشفت الدراسة أن أرباب الأسر يقعون بين ألفئتين
الثانية والثالثة (31-40سنة) و(41 – 51 سنة) ,وهي سن النضوج التي تكتمل فيها قدرات
ألفرد العقلية والجسمية لتكوين الأسرة, وإدارة شئونها الاقتصادية بطرق عقلانية تتناسب
مع حجم الدخل ,وطبيعة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
بينت نتائج الدراسة في مجتمعي الدراسة أن ما نسبته(
63% )من أرباب الأسر مؤهلاتهم العلمية متدنية ما بين أمي ويقرأ ويكتب وابتدائي ,وهذا
ينعكس على طبيعة المهن التي يمارسها أرباب الأسر, وعلى مستوى الدخل, نتيجة لوجود الارتباط
بين المستوى التعليمي والدخل، فكلما ارتفع المستوى التعليمي للفرد كان ذلك عاملا في
الحصول على مهنة ذات دخل مرتفع يسهم في تحسين مستواه المعيشي ، وكلما تدنى مستوى ألفرد
التعليمي انعكس على طبيعة المهنة ومستوى الدخل. ولذا فإن ما نسبته (91.3%) من أرباب
الأسر في مجتمعي الدراسة يمارسون أعمالاً هامشية
وأعمال لا تحتاج إلى مؤهلات علمية ,مثل: أعمال الحفر والحمالة وفي المجال العسكري وحراسة
المؤسسات ، وهي أعمال شاقة, وعائداتها الاقتصادية متدنية لا تكفي في الغالب لتغطية
متطلبات الحياة الضرورية,فضلاً عن ذلك عدم اهتمام الآباء بتعليم أبنائهم, حيث يلاحظ
أن نحو (67%) من إجمالي أفراد الأسر المبحوثة مؤهلاتهم التعليمية بين أمي ويقرأ ويكتب
وابتدائي, وهو أيضاً يزيد من محدودية فرص العمل أمامهم0
أن جزءاً كبيرا من سكان الأحياء المبحوثة هم من
المهاجرين من المناطق الريفية, حيث يمثلون ما نسبته (41.3%) من إجمالي السكان المبحوثين
في الحيين الذين جاءوا للبحث عن فرص حياة معيشية وفرص عمل وخدمات مفتقدين إليها في
الريف ,نتيجة لعدم اهتمام المخططين بالتنمية الريفية وتحيزها لصالح الحضر ، وهو ما
دفع بهم إلى زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر، و شكل ذلك عامل ضغط على الخدمات الاجتماعية,
وعلى فرص العمل في الحضر, وانتشار الأحياء العشوائية بداخل المدن اليمنية ,وزيادة الأيدي
العاملة العاطلة عن العمل, وانتشار الجريمة، وظهور الانحراف الأخلاقي, والسرقة التي
تعتبر من تبعات الأوضاع الاقتصادية البائسة التي يعيشها بعض سكان المناطق الحضرية ألفقيرة,
التي تتسم بظروف معيشية صعبة ومساكن متخلفة ومزدحمة ومفقودة التهوية.